إنطلق العقل الغربي في العصور الحديثة من خلال تاريخ طويل إستغرق قروناً، وتفاعلت فيه عوامل كثيرة وأحداث متعاقبة، لكنها كلها إنطلقت من الوثنية اليونانية وما حملت من علم ونظرة خاصة بالفنون والأدب، ونظرة خاصة للحياة والكون، إجتمعت كلها لتكون الفلسفة اليونانية الوثنية.
ولكن لابد أن نسرع فنقول إن هذه الوثنية لم تكن هي أول أمر هذه الشعوب، لقد كان أول أمرهم الذي يعنينا هو رسالة الإيمان والتوحيد التي لا شك أنها بلغتهم كما بلغت كل امة أخرى في التاريخ البشري، فقد بعث الله برحمته رسولا إلى كل امة أن إعبدوا الله وإجتنبوا الطاغوت: {ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [النحل: 36].
وكما كان شأن كثير من الأمم، فقد إنحرفت اليونان عن التوحيد وغلبتها الوثنية بصورة شديدة، وعبدوا آلهة إبتدعوها من أنفسهم، وأقاموا لها التماثيل، ودخلت هذه الوثنية في جميع ميادين حياتهم وتصوراتهم وأدبهم.
ولما قامت دولة الرومان لم يكونوا أهل أدب أو فكر، فأخذوا كل ذلك عن اليونان وأصبح فكرهم وأدبهم إمتداداً لفكر اليونان وأدبهم، ولما جاءت النصرانية إلى أوروبا إصطدمت بهذه الوثنية الطاغية على الحياة، وعانى رجال النصرانية معاناة شديدة مدة تزيد على ثلاثمائة سنة، أمكن بعدها التفاهم مع قسطنطين على أن يعينوه على الوصول إلى سدة الإمبراطورية الرومانية، مقابل تنازلات ومقابل رفع الأذى عنهم.
خلال هذه المدة تأثرت النصرانية بالوثنية، ووقع خلاف بين النصرانيين أنفسهم، فريق يدعو إلى عقيدة التثليث وفريق يرى أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله ولا شبيها لله، ولكنْ رسول من عند الله، ونالت طائفة التثليث الدعم من الدولة، وأخذت بعض طقوسها من الوثنية الرومانية، وبدأت التساهل مع النصرانية الجديدة التي إنحرفت عن رسالة عيسى عليه السلام، وفي سنة 311م وقع الإمبراطور جاليريوس مع ثلاثة آخرين بإعطاء حرية العبادة للنصارى.
ولما أصبح قسطنطين الأول 280 – 337م هو الإمبراطور إعترف بالدين الجديد، الذي لم يكن لديه النص الرباني الأصلي الذي جاء به عيسى عليه السلام، وإنما كان ما تناقله أتباعه وما دوَّنه علماؤه بعد عيسى عليه السلام بزمن غير قصير.
دعا الإمبراطور قسطنطين رجال الكنيسة إلى اجتماع في نيقية Nicaea سنة 325م في محاولة لتصفية النزاع بينهم وبين الاريوسيين الذين يقولوا بأن عيسى عليه السلام ليس مشابهاً لله في الجوهر، والذين ينتسبون إلى آريوس الإسكندرية ت:326م ولكن المجمع المنعقد في نيقيه أصدر قراراً يتبنى الطبيعة الثلاثية لعيسى عليه السلام -trinity- وتسمى هذه بعقيدة نيسين Nicene Creed.
هذه العقيدة كانت نتيجة التأثر بالتصورات الوثنية تأثراً إنحرف بها عن التوحيد الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلام، ولما جاء الإمبراطور ثيودوسيون 346 – 395 فرض الكنيسة الكاثوليكية في جميع الإمبراطورية، وفرض القرار النيسيني والتطور الثلاثي لطبيعة عيسى عليه السلام، ولإنهاء الصراع مع الاريوسيين دعا إلى لقاء كنسي وسمي فيما بعد المجمع العالمي Ecumenical council سنة 381م في مدينة القسطنطينية، وأقر هذا المجمع التصور الثلاثي والعقيدة النيسينية، واخذ في مطاردة الاريوسيين واعتبرهم هراطقة.
لقد إنتهى الصراع بين الوثنية والنصرانية إلى قيام الكنيسة الكاثوليكية التي تتبنى العقيدة النيسينية وتطور الطبيعة الثلاثية لعيسى عليه السلام، والتي أصبح مذهب الإمبراطورية الرومانية كلها، وأصبح للكنيسة سلطان كبير على السلطة المدنية.
وبدأ صراع جديد بين الكنيسة والسلطة الزمنية من ناحية، وصراع بين الكنيسة والعلماء إمتد زمناً غير قليل، ولقد حملت هذه الأحداث كلها إمتداد التأثير الواضح للوثنية اليونانية في عصور أوروبا المختلفة: العصور الوسطى، أو عصر الظلمات، عصر النهضة، عصر التنوير، والعصر الحديث، وإمتد التأثير إلى أعماق الفكر الأوروبي، وكان من أهم آثار هذا الصراع الممتد أن برزت العلمانية في أوروبا تحمل الرغبة الحاسمة للتحلل من الدين وعزله عن حياة المجتمع، وحصره بين جدران الكنيسة، ولقد حمل هذا الاتجاهَ عددٌ غير قليل من الفلاسفة الأوروبيين، وإستقرَّت العلمانية في العالم الغربي توجِّه الفكرَ والأدب والأخلاق، والسياسة والإقتصاد، وأعطت الحرية الفرديةَ تفلُّتاً واسعاً في الجنس، وحرية في الرأي لا تعطِّل القرار الذي يتخذه القادة بين الكواليس، ويستغلون الدين كلما إحتاجوا إليه.
وقد جعلت العلمانية رأس الأمر كله ومدار إهتمامهم الأول هو المصالح المادية الدنيوية الخاصة، فمن أجلها تدور الحروب أوالسلام، والوفاق أو الشقاق.
ولكن هذه الشعارات كانت تغلف بشعارات عامة مزخرفة كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ومساواة الرجل بالمرأة وغير ذلك.
إلا أن الديمقراطية في حقيقتها لم تشهد إلاّ الحروب التي تشعلها المصالح الخاصة والتنافس عليها وإستغلال الشعوب بالإغراء أو القوة والبطش، ولا أظن أن تاريخ البشرية شهد إستبداداً اشد من إستبداد الأسلحة المدمرة الفتاكة التي تطلقها أمريكا على أجزاء كبيرة من العالم لفرض ما تسميه الديمقراطية والحرية، ثم لا تجد إلى الخداع والكذب، والأشلاء والجماجم.
من خلال مسيرة العقل الأوروبي والغربي مع مسيرة العلمانية قدَّر الله أن ينهض الغرب بنهضة علمية وصناعية كبيرة، زودتهم بالقوة المادية الكبيرة والسلاح المدمر، وكان أساس هذا التطور ما أخذوه عن المسلمين عندما كان المسلمون في أوج تطورهم وإزدهارهم العلمي، وأوروبا في ظلال الجهل، وفي الوقت نفسه قدَّر الله أن يقع المسلمون في غفوة طويلة وغفلة كبيرة من خلال تاريخ طويل من الإنحراف.
وعندما كانت أوروبا تغطُّ في ظلمات الجهل والتخلف، كان المسلمون هم قادة العالم بالعلم في ميادينه المختلفة، وقدموا العلم ونشروه مع نشر رسالتهم ودينهم حيثما إمتدوا.
برزت عبقريات المسلمين في شتى أنواع العلوم كالرياضيات والطبيعيات والطب والفلك والجغرافية، والإكتشافات الجغرافية، وفنِّ العمارة وغيرها من العلوم.
كانت العبقريات قد إنطلقت من الإسلام من الإيمان، من جميع الشعوب الإسلامية، لتخدم البشرية كلها نوراً وهداية، وعلما وعدالة، وحرية ومساواة.
مهما وقعت إنحرافات أو أخطاء في مسيرة المسلمين، فإنها لم تصل ابدآ إلى ما بلغه الغرب من إفناء وتدمير ووحشية، لقد كان الإسلام يكبح نزعات الفتك الإجرامي، ولقد وجدت الشعوب التي دخلها الإسلام عدالة لم تعهدها في تاريخها، وحرية كريمة منضبطة تسود الجميع، وديناً يجمع البشرية كلها في ظلال الإسلام وانداء الإيمان، ويضع الحقوق الصادقة لكل فئة أو طائفة، لينسجم الجميع تحت حكم الإسلام وشريعة الله الحق.
لقد جمع الإسلام شعوباً مختلفة الأجناس واللغات لأول مرة في التاريخ البشري، عندما أعاد الإنسان إلى الفطرة التي فطره الله عليها، إلى حقيقة الفطرة السليمة غير المشوهة أو المنحرفة.
فانطلقت قوى الشعوب كلها منسجمة متآلفة، وجمع الإسلام بذلك طاقات الشعوب ومواهبها بعد أن آمنت وأسلمت لله رب العالمين، وبعد أن ذابت العصبيات الجاهلية من حزبية أو عائلية أو قومية، وبعد أن وجد كل شعب انه آمن، ينال حقوقه كما تناله الشعوب الأخرى، على ميزان رباني عادل أمين.
فانطلقت بذلك الحضارة الإسلامية تصب فيها مواهب الشعوب كلها وقدراتها، وخيرات بلاده في مجرى واحد صافي، تقودها عقلية إسلامية صاغها القرآن الكريم وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقلية تنطق من الفطرة السليمة التي أعاد الإسلام الناس إليها.
هذه الحضارة الإسلامية، ليست حضارة شعب واحد ولا حضارة بيئة واحدة، أنها حضارة الشعوب كلها، الشعوب التي تآلفت على الإسلام فطرةً وإيمانا وتوحيداً، وعلما بمنهاج الله، وصراطا مستقيما واحدا، يجمع الناس كلهم على إستقامته التي لا يضلُّ عنها مؤمن، وعلى تفرُّده بأنه سبيل واحد لا سبل شتَّى، فلن يختلف عليه المؤمنون.
هذه الحضارة وهذه العقلية تميزت أيضا بأنها جمعت المؤمنين كلَّهم على مدار التاريخ البشري أمة واحدة، على أسس واحدة وحق واحد.
فسورة الأنبياء، بعد أن تستعرض السورة مسيرة عدد من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وتبيِّن أنَّهم كلهم كانوا يدعون إلى دين واحد هو الإسلام، ولعبادة رب واحد هو الله الذي لا اله إلا هو، تختم السورة الكريمة هذا العرض بالآية الكريمة: {إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء:92]
ويتكرر هذا المشهد العظيم في سورة المؤمنون، حيث تستعرض السورة مسيرة الرسل والأنبياء الذين دعوا إلى دين واحد هو الإسلام، والى عبارة رب واحد هو الله، تختم هذا العرض والمشهد بقوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم. وإن هذه آمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون:51-52]
هذه هي معركة التاريخ البشري تدور بين عقليتين ونهجين: عقلية تنطلق من الفطرة السليمة، ونهج رباني من عند الله على سبيل واحد وصراط مستقيم، تتلقاه الفطرة السليمة بالإيمان والإتباع، وعقلية تنطق من عواطف الأهواء وصراع المصالح، ومناهج بشرية تتلون من أرض إلى أرض، ومن مصلحة مادية إلى مصلحة، فيصارع بعضها بعضاٍ، كل يغلف أهواءه ومصالحه بزخارف كاذبة وزينة خادعة، سرعان ما يكشف الواقع كذبها وخداعها، من هنا يعتبر الإسلام أن الحقَّ الأول للإنسان هو حماية فطرته التي فطره الله عليها، حمايتها من أن تفسد أو تلوَّث أو تنحرف، وجعل هذه الحماية مسؤولية الوالدين أولاً في الأسرة والبيت، ثم مسؤولية الأمة كلها بمختلف مؤسساتها، إبتداءً من المدارس والمسجد وإمتداداً إلى سائر المؤسسات، ولنتدبَّر هذه الآيات الكريمة تعرض لنا خطورة أمر الفطرة: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم:30]
ولنتدبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحس فيها من جدعاء» أخرجه الشيخان وأبو داود في صحيح الجامع الصغير:5784.
هذه القضية، قضية الفطرة وحمايتها، أهملتها جميع المؤسسات التي تَّدعي أنها ترعى حقوق الإنسان، وأهملتها نظريات التربية المادية المختلفة، وأنى لهذه المؤسسات كلها بعد هذا الإهمال أن تصدق في رعاية حقوق الإنسان، أو في تربيته وتعليمه وبنائه.
بعد إهمال الفطرة وحمايتها، ستخرج عقليات مختلفة متعددة متناقضة مضطربة، وستخرج تبعاً لذلك مناهج شتَّى وسبل شتَّى ومصالح شتى يدور بينها الصراع، ليمثل هذا الصراع الجزء الأكبر من التاريخ البشري بين بحار من الدماء وأكوام هائلة من الجماجم والأشلاء.
ولذلك كانت هذه العقلية ومنهجها منذ بدايتها التي أشرنا إليها في الوثنية اليونانية، أهملت فطرة الإنسان، أهملت حمايتها في مسيرة طويلة حتى يومنا هذا.
ويبين الله لنا هذا الاختلاف الواسع بين هذين النهجين والعقليتين بقوله سبحانه وتعالى: {وأن هذا صراطي فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]، فهنا صراط مستقيم وسبيل واحد، وهناك سبلٌ شتى ودروب معوجة، هنا يلتقي الناس على دين واحدٍ وإيمان وتوحيد، وشريعة واحدة تنظم الحياة كلها وتبين الحقوق والواجبات والحدود، وهناك يلتقي الناس على مصالح ويفترقون عليها، وعلى شرائع شتى لا تلتقي إلاَّ على فتنة وفساد يخفونها تحت زخارف من شعارات الحرية والديمقراطية وغير ذلك.
تسعى أمريكا اليوم حسب دعوة بوش إلى جمع الناس على ما تسميه الديمقراطية، وما تدعيه من حرية، وفي هذه وتلك لا توجد من حقيقة ثابتة إلاَّ الزخرف الذي سرعان ما ينكشف عن أقسى ما عرفته البشرية من مآس نشاهدها جليسة في بقاع متعددة من الأرض.
أنى التفتنا لا نجد إلى الأطماع الهائجة المتصارعة التي لا يكون اللقاء معها إلاَّ لقاءً آنيَّا قد ينقلب بعد حين إلى عداء وصراع.
فلا يمكن لدعوة الديمقراطية ولا الإشتراكية ولا العلمانية، مهما زينوها بالزخارف أن تجمع الشعوب كلها، وإن جمعت أحداً فإنها تجمعه تحت قهر القوة الجبارة والسلاح المدمر ليكون جمعاً آنيا.
لا يمكن أن تجتمع البشرية إلاّ على الحق البين، إلاّ على دين الله الحق، دين الإسلام بجلائه وسموِّه وصدقه، فهو النهج الوحيد لدى البشرية كلها، النهج الذي يمكن أن يجمعها لتجد في ظلاله العدالة الأمينة غير المزيفة، والحقوق الصادقة لكل إنسان: للرجل والمرأة والتوازن الدقيق بين الحقوق والواجبات، والحرية المنضبطة للرجل والمرأة، للناس كافة.
إنه النهج الوحيد الذي يضع المرأة في ميادينها الحقيقية، والرجل في ميادينه الحقيقية، ويبني المجتمع على نظام دقيق، يعرف الرجل فيه مكانه والمرأة مكانها، ويعرف الجميع ميادين التعاون، عندما تعرف المرأة دينها وتؤمن به وتخضع له، ويعرف الرجل دينه ويؤمن به ويخضع له، سيعرف كلٌّ حدوده على صورة تتكامل فيها الجهود.
أما إذا غلب الجهل وثار الهوى، فتصدر عندئذ الفتاوى والآراء والإجتهادات مضطربة متناقضة لا تخضع إلى ميزان أمين، وتنحرف الآراء حتى تطلب المرأة أن تتساوى مع الرجل في كل نشاطاته، وربما ينقلب الوضع فسصبح الرجل يطلب المساواة بالمرأة، يسعى كثير من المفسدين في الأرض أن يحرفوا دين الله ويؤوِّلوه، حتى يكاد يصبح دينا جديداً منبت الصلة عن دين الله، وسيدرك بعض المسلمين الذين يدعون إلى شعار مساواة المرأة بالرجل، عاجلاً أم آجلاً أنهم يدعون إلى هلاك المرأة وهلاك الرجل وهلاك المجتمع.
ومهما حاول المفسدون والضعفاء أن يغيروا في دين الله فإن الله قد تعهد بحفظ دينه ولغة دينه، وإنما هي سنن لله في هذه الحياة الدنيا، يُبتلى بها الإنسان ويمحَّص حتى تقوم الحجة له أو عليه يوم القيامة.
ولحكمة يريدها الله جعل من أوجه الإبتلاء والتمحيص في هذه الحياة الدنيا بروز المفسدين والمجرمين، ليميز الله الخبيث من الطيب، فكم من الناس يخفون الوهن والإنحراف في صدورهم، فتأتي سنن الله فتكشف هؤلاء وما يحملون وما يخفون.
إننا نعيش اليوم في مرحلة من مراحل التاريخ البشري، يقف فيها المسلمون موقف الوهن والضعف والهوان، والمجرمون في الأرض ملكوا القوة القاهرة والتطور المادي الكبير، على تخلف خطير في قيم الدين.
وفي الوقت نفسه جعل الله ما في السماوات والأرض مسخَّرا للإنسان، لكل من يسعى ويبذل، ويظل السعي والبذل باب إبتلاء وإختبار، الميدان مفتوح للجميع، للمؤمنين وغير المؤمنين، كل يجني ثمرة سعيه: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه زمن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} [لقمان: 20]، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {ولولا أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون*ولبيوتهم أبوابا وسرراً عليها يتكئون*وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} [الزخرف:33–35]
فالمؤمنون يسعون في الحياة الدنيا، أو يجب أن يسعوا، ليمتلكوا القوة من العتاد والعلم، ليوفوا بالأمانة التي خلقوا للوفاء بها، وليس لزخرفٍ في الحياة الدنيا ومتاعها، إن المؤمنين يحملون أمانة عظيمة في الأرض ولا بد أن تكون في يدهم أسباب القوة والمناعة، ليبلغوا دين الله للناس كافة كما انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتكون كلمة الله هي العليا، وشرعه هو الذي يحكم، ليأخذ كل إنسان حقه العادل ويقف عند حدوده العادلة، وأما المجرمون في الأرض فيسعون ليمتلكوا القوة من عتاد وعلم، ليفسدوا في الأرض، ويعتدوا ويظلموا، وينهبوا ويقتلوا، ظلما وعدواناً، {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلى قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين} [هود: 116].
أيها الناس إنكم تحملون أمانة عظيمة فإنهضوا إليها، وإصدقوا الله في أمركم كله، وكونوا صفا واحداً لتوفوا بأمانتكم، ولا عذر لكم أن تقولوا إن المجرمين يملكون القوة، فإنهضوا وإصدقوا يمكِّنكم الله من القوة ما أمنتم وأطعتم وصدقتم: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر:51]، {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} [الصف:13]، {..وكان حقَّاً علينا نصر المؤمنين} [الروم:47].
أيها المسلمون كونوا مؤمنين ينصركم الله: {يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله.....} [النساء:136]
الكاتب: د. عدنان علي رضا النحوي.
المصدر: موقع لقاء المؤمنين.